متى يكون الفسيخ ساماً؟

شكرا لمتابعتكم خبر عن متى يكون الفسيخ ساماً؟ والان مع تفاصيل هذا الخبر

يصف بعض المصريين «الفسيخ» بأنه ليس مجرد «أكلة»، بل مغامرة مكتملة الأركان. تتأرجح بين اللذة والخطر. عشاق الفسيخ يعدّونه طقساً مرتبطاً بعيد «شمّ النّسيم». ويتخوفون في الوقت نفسه من آثاره المحتملة، خصوصاً مع شيوع التّسمم بسببه في سنوات ماضية. فمتى يكون الفسيخ ساماً؟

ترصد النقوش المصرية القديمة الاحتفال بأعياد الربيع، وتناول الأسماك خلاله، ويؤكد باحثون أن عادة أكل السمك المملّح المتخمّر ذي الرائحة النفّاذة، والبيض الملوّن والبصل، تسربت للمجتمع المصري منذ عشرات القرون، باعتبار التمليح وسيلة شعبية لحفظ الأسماك.

مدينة نبروه تعد أحد مراكز تمليح الفسيخ (أ.ف.ب)

ويوضح الخبير في المعهد النرويجي لأبحاث الأغذية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، سيردر يانسن، أن عملية تمليح الأسماك كانت تُستخدم في العصور القديمة بوصفها بديلاً عن الثلاجة والفريزر من أجل حفظ الطعام طازجاً لفترة أطول.

ويصف طريقة التمليح في مقال نشره المعهد كالتالي: «عند وضع السمك في الملح، يخرج الماء ويدخل الملح إلى لحم السمك. وبعد شهر واحد، تبلغ نسبة الماء في الأسماك المملحة نحو 55 في المائة، ويكون هذا الماء مشبعاً بالملح، حيث يمكن لعدد قليل من الكائنات الحية الدقيقة أن تبقى على قيد الحياة، وتقل أنشطة العديد من الإنزيمات، وتنضج الأسماك أثناء التخزين وتكتسب نكهة السمك المملح المميزة».

ولم يتجاوز عدد حالات التّسمم بسبب الفسيخ خلال موسم «شمّ النسيم» العام الحالي 4 حالات على مستوى محافظات مصر، حسبما ذكرته وزارة الصحة المصرية أخيراً.

وكان العام الماضي قد شهد 50 حالة تسمم، حسبما أعلنت مراكز السموم، عقب تناول الأسماك المملحة والمدخنة خلال عطلة عيد الفطر التي اقتربت من عيد «شمّ النّسيم».

ووفق مها جنينة، الأستاذة المساعدة في معمل تكنولوجيا تصنيع الأسماك في المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، فليست كل الأسماك صالحة للتمليح أو صالحة لأن تصبح «فسيخاً»، فالأسماك الدهنية، مثل البوري والطوبار، هي الأصلح لهذا الغرض؛ لأن نسبة الدّهن تساعد على سرعة التمليح.

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «الأسماك الجافة مثل البلطي لا تصلح للتمليح؛ لخلوها من الدّهون والأوميغا 3، وبالتالي يصعّب تحلّل الملح إلى لحمها، وسيكون المُنتَج النهائي جافاً ولن يرضي المستهلك».

العيد موسم رئيسي لتناول الفسيخ (الشرق الأوسط)

وفي دراستها للماجستير، حاولت مها استخدام بعض المواد الطبيعية المضادة للبكتيريا الضارة مثل الزعتر والروزميري، التي ساعدت في تحسين طعم السمك المملح وزيادة مدة صلاحيته للحفظ.

وتتراوح المدة المُثلى للتمليح بين شهر، وشهر ونصف خارج الثلاجة، في حين تصل المدة إلى 3 أشهر في حالة حفظه داخل الثلاجة، لأن درجة الحرارة العالية تساعد في سرعة التملح.

وأرجعت الرائحة الحادة النفّاذة للفسيخ إلى «أكسدة الدهون»، وعُدّت قوة الرائحة دليلاً على جودة التمليح.

ورغم المخاطرة، فإن مها جنينة تؤكد أنها من عشاق تناول الفسيخ، وترى أنه لا داعي للقلق إذا كانت السمكة صالحة للأكل ومملّحة جيداً.

بينما عزت حالات التّسمم إلى «عدم التجفيف الجيد للأسماك ووجود نسبة مياه فيها، مما يتسبب في زيادة نسبة الرطوبة بنسيج السمك، ثم نمو نوع من البكتيريا التي تسبب التعفّن وحدوث (التسمم البوتيوليني)».

ولتجنب الوقوع في هذا الخطر تنصح مها بـ«استخدام ملحٍ خشن في التمليح؛ لأنه ينفذ للحم السمك ببطء، وبالتالي تحدث عملية التمليح ببطء من دون احتراق سطح السمك أو جفافه. كما يجب تنظيف بطن السمكة قبل التمليح، ومراعاة حجمها ونوعها ودرجة الحرارة التي تحفظ فيها».

من جانبه، يوضح محمود عمرو، أستاذ الطب المهني، وعضو اللجنة الوطنية للسميات ومؤسس المركز القومي للسّموم في مصر، أن «التّسمم يصبح وارداً في حالة فساد السمكة نفسها، أو زيادة نسبة الأملاح، حتى لو كانت السمكة جيدة، خصوصاً في حالة مرضى القلب والكبد والكِلى، أو استهلاك سمكة الأرنب عالية السمية».

ارتفاع أسعار الفسيخ في موسم «شمّ النّسيم» بمصر (الشرق الأوسط)

ويضيف محمود عمرو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «زيادة استهلاك المياه بعد تناول الفسيخ تؤدي إلى إجهاد عضلة القلب مع زيادة حِمل السوائل في الجسم عن قدرتها على العمل، لكن شرب المياه أفضل من عدمه».

ويلفت أستاذ الطّب المهني، الحاصل على جائزة الرواد في العلوم الطبية، إلى أن «أول الأعراض للتّسمم الناتج عن تناول الفسيخ يظهر خلال ساعتين، حيث تبدأ بالقيء والإسهال والأزمة الصدرية، وحساسية الجلد والعين والأنف والجهاز التنفسي». وذكر أنه «يمكن إنقاذ المصاب خلال 4 ساعات، عبر تناول سوائل تخفف من شدة الملوحة».

وأشار محمود عمرو إلى سمكة أخرى شائعة الاستهلاك في بعض المناطق بمصر وهي سمكة «الملوحة»، وقال إنها «سمكة صغيرة الحجم عالية الملوحة حادة الرائحة، يؤدي تناولها إلى زيادة شرب المياه والضغط على القلب، وقد يتسبب تناولها في فشل الجهاز الدوري».

‫0 تعليق

اترك تعليقاً